الصفحات

اعلان الهيدر

الرئيسية الدينونة لله والدينونة لغير الله

الدينونة لله والدينونة لغير الله

الدينونة لله والدينونة لغير الله

بقلم : بكر عبد الحافظ الخليفات
إن الذي يتوجه بالعبادة والاستعانة لله وحده دون سواه لا تخفى عليه حقيقة بطلان وزيف سائر الاوهام والتصورات الخرافية المحيطة بسائر الأرباب المقنعة والظاهرة التي هي من دون الله, والتي طغت على فكر وتفكير كثير من الناس قديماً وحديثاً وحتى يومنا هذا .. فذاك قد عبد واستعان بـ : حجراً أو بعلاً أو ناراً أو عبداً مثله, وهذا عبد واستعان ببقرة وعجل, أو نظام ومنفعةٍ, أو درهم وديناراً .. وتلك عبودية وهذه عبودية. وإن التحرر من هذه العبودية يتطلب الاستعانة برب الارباب ورب النظم والعباد, فهو وحده الذي يستحق أن يعبد ويستعان به.
فإذا ما تحقق مدلول هذه العبادة, تحقق معنى التوحيد والطاعة والدعاء لله تعالى من خلال هذه العبادة التي لا تتم أصلاً ولا تستتب إلا بمعونة وتوفيق من الله عز وجل.
ثم ننظر ابتداء إلى حقيقة التوحيد والعبادة, فلو أنه كانت حقيقة العبادة مجرد شعائر تعبدية يؤديها البشر لما استحقت كل مواكب الرسل والرسالات السماوية, وما استحقت كل تلك الجهود المضنبة التي بذلها الرسل صلوات الله عليهم وسلم, وما استحقت كل تلك العذابات والألآم والهجرة من مكان إلى آخر التي تعرض لها وسيبقى يتعرض لها الدعاة والمؤمنون الموحدون على مدار الأزمنة والأمكنة, إنما الذي استحق كل ذلك الثمن الباهظ النفيس هو محاولة إخراج الناس كافة واجتثاثهم جملة من الدينونة لغير الله , وردهم إلى الدينونة لله وحدة في كل أمر وفي كل شأن , وفي منهج ومعترك حياتهم كلها للدنيا والآخرة.
إن الدينونة لله تعالى وحده في مفهومها الشامل تحاكي الكينونة البشرية بكل جوانبها وبكل اشواقها وبكل حاجاتها, فهي تغوص في كيان الكائن الإنساني في نفسه من ناحية وجوده الذاتي وحاجته الفطرية وتركيبه الإنساني, وتؤثر فيهما ذلك التأثير الذي يهون عليها العذابات والألآم سالفة الذكر حينما تترجم في الحس والشعور والسلوك, لتكون من بعدها في أوج قوتها الذاتية, وفي أوج تناسقها مع حقيقة كل ما في الوجود من حقائق تتأثر بها وتؤثر فيها .. وهذا التناسق هو الذي يوفر لها السبل التي تنشىء أعظم الآثار, فتؤدي أعظم الأدوار, فقيمة الإنسان ذاتها ترتفع حينما تصبح حياته كلها عبادة لله .. كيف لا والدينونة لله تحرر البشر من الدينونة لغيره وتخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده .. وتلك هي الكرامة الحقيقية والحرية الحقيقية التي لطالما غابت مدلولاتها عن فرق العباد.
أما العبودية لغير الله في مفهومها الشامل وتعدد صورها فهي التي تخرج الإنسان من الكرامة والعزة التي ارادها الله له حينما يتوجه هذا الإنسان لغير الله بالدينونة والعبادة, حينها يخسر الإنسان الخسران المبين كأن يخسر آدميته ليندرج في عالم البهيمية : "والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم" .. (محمد:12) .
ومن صور العبودية لغير الله عبودية الحكام والرؤساء الذين يصرفون الناس عن العبودية لله وفق شرائع من عند أنفسهم لا ضابط لها ولا ميزان إلا حماية مصالح المشرعين أنفسهم سواء تمثل هؤلاء المشرعون في فرد حاكم أو في طبقة حاكمة وفي كل حكم بشري لا يستمد حكمه من الله وحده, ولتنفيذ تلك الشرائع والاحكام فإن طاغوت البشر الحاكم يحتاج إلى أن يسخر كل القوى والطاقات أولا لحماية شخصه .. وثانيا لتألية ذاته, كذلك هو يحتاج إلى حواشٍ وذيول وأجهزة وأبواق تسبح بحمده وترتل ذكره وتنفخ في صورته الهزيلة للتتضخم بعد أطلاق الترانيم والتراتيل حولها لكي تحتشد الجموع للتسبيح باسمها, فتقيم العباده لها وتقدم الولاء والطاعة .. فتكثر الأعياد وتتعدد المناسبات ولا تغيب مراسم الاحتفالات, ولا يمل الناس من التصفيق العجيب... وفي هذا الجهد الهابط تصرف طاقات عتيدة وأموال عديدة, وقد تمتد إلى الأعراض وفي بعض الأحيان إلى الأرواح, ولو انفق بعضها في عمارة الأرض والأنتاج المثمر, لقطف الناس نتاج ثمرة الاستثمار.
ومن خلال هذه اللمحة السالفة الذكر تتكشف مدى خسارة البشرية في الطاقات والأموال والأنفس من جراء تنكبها عن الدينونة لله وعبادة غيره من طواغيت البشر, فوق خسارتها في القيم والأخلاق, وفوق الذل والقهر والدنس والعار وانتشار شتى ألوان الفساد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تذكر قول الله تعالى:

(ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)

*الاراء التي في التعليقات تعبر عن رأي اصحابها ولا تعبر عن رأي مدونة المبدعون

يتم التشغيل بواسطة Blogger.